بإسمك اللهم :
إن أسمى ما أنتجه الفكر الديني على مر العصور هو عرفان الربانيين الذين كانوا أكثر التزاما بالسلوك وأدق عمقا في الفهم،فأنتجوا على مر التاريخ الإنساني علوما لاتحصى منها ما انذثر ومنها ما لايزال محبوسا في المتاحف العلمية ، لكن منها ما لايزال حيا في قلوب العديد ممن يِومنون في الإسلام بسمو فهم هؤلاء الربانيين لحد التأكد من ولايتهم لله وولاية الله لهم ..وقد تفرد هذا الفهم بمعرفة أسرار لايمكن أن يستسيغها عامة المسلمين ، ولحكمتهم فإنهم كانوا دائما يطبقون قوله صلوات الله عليه : « خاطبوالناس على قدر عقولهم » فكان العديد من مريدي التربية على أيديهم يتدرجون العمر كله لفهم بعض الحقائق التي لايمكن أن يفهمها بسهولة العقل المعاشي ولا العقل المجرد ولا العقل المسدد وحده إذا لم يتواضعوا للإعتراف بحكمة العقل المؤيد بالواردات الربانية والإلهامات الروحانيةوالقلبية.لأن هذا العقل وحده القادر على تقريب التجربة النبوية في شموليتها لافي شتاتها، وبالتالي فهو الملم أكثر بالغايات الكبرى من التدين نفسه :
فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن إنسانا عاديا فقد كلمته الجن وحاورته الملائكة وفتحت له السماوات وعرج حتى سدرة المنتهى وكلمه الرحمان تعالىمباشرة دون واسطة بل ولمسته يد الرحمة الربانية حتى قال عليه السلام : »حتى شعرت ببردها بين ثدياي » ومن كانت هاته بعض خصاله ، لايمكن أن يكون فهمه للدين ونظرته الوجودية بسيطة كما يريد ذلك العديد من المعلمين والحركيين،بل كانت له صلى الله عليه وسلم رؤيا كونية كاملة ، وبالتالي فهو حينما يتوجه للقبله لايحصر نفسه مثلنا في عالم الملك ولا حتى عوالم الملكوت ولا عوالم الجبروت بل كانت صلواته تخترق الكون كله ليسبح بالكون كله لرب الكون ،ولهاته التربية والفهم العميق تجب الدعوة والتكوين لا لفهم بسيط يدعي الإلمام الكلي جهلا بعلوم الدين.. وهاته مراقي لايستصيغها العديد منا لكننا سنبسط القضية ارتباطا بموضوع الكتاب لا تحليلا لهاته النظرة الوجودية للرسول صلى الله وسلم على حقيقته المحمدية..
ولا نجد من أشار لهذا في كل الفكر الإسلامي إلا العارفين بالله الذين تبلورت تربياتهم منذ الصحابة لحد اليوم، وكانت هاته الرؤية الكبيرة والعلم الكبير رغم غزارتهما لايحجبانهم عن الواقعية والنزول إلى الناس في عالم ملكهم وبالتالي التحدث عن إشكاليات العصر لحد الدخول في النزاعات السياسية أحيانا والخلوة عنهم للتربية الروحية فقط أحيانا أخرى ، ورغم أسرارهم العظيمة فإنهم بسطوا تربيتهم لحد التربية بالسماع والإشارات والذكر بشتى أنواعه مركزين على أبسط العبادات في الوصول إلى أعلى الغايات ..ولي مشروع كتاب مستقبلي بحول الله لتبسيط حقائقهم تحت عنوان
« الإلله : »الله أعظم من الله « إن شاء الله.
أما عن الكونية فقد تبين كيف كانت النظرة الوجودية للرسول بالكون وخارجا عن كل الكون، وتبين أن أسرار هاته النظرة لا يفهمها غير الربانيين حقا من أولياء الله قدس الله أسرارهم..لكنا سنبسط هنا فقط إشارتهم في الصراع الكوني الذي يخوضه في عالم الملك وحده :إبليس وكل الشياطين وكل الكافرين ومعهم كل الضالين والمنافقين من الجن والإنس ضد الأنبياء وحوارييهم وصحابتهم وأوليائهم وكل المحسنين والمومنين والمسلمين من جانب آخر، ولهذا فإنا في عالم الارض لانلمس إلا الصراع المادي والإيديولوجي والمبدئي عموما بيننا، بينما الصراع الروحي أو الحرب الروحانية الغيبية لايلمسها إلا من اجتباهم الله لهاته الوظيفة :